تعد ظاهرة الطلاق المبكر من أخطر المشكلات الاجتماعية التي تغزو وطننا العربي في الآونة الأخيرة، نظرًا لعواقبها الوخيمة على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث تهدد تماسك البنية المجتمعية.
فضلًا عن تفكك أواصر العلاقات بين العائلات، زيادةً على تدهور البناء النفسي السليم لمن عايشوا تلك الحالات، سواء لدى الزوجين أو الأبناء.
ولقد شهد العالم العربي عدة متغيرات حديثة أحدثت تغيرًا هائلًا في المفاهيم الاجتماعية الشرقية، بما تتميز به من ثبات وأصالة نابعة من شرعنا الإسلامي الحنيف وتقاليد المجتمع العربي.
وبما لها من خصوصية، فبعد أن كانت كلمة الطلاق أبعد ما تكون عن البيوت أصبحت الأسهل والأقرب بين الشباب حديثي الزواج، وكأنه الموضة الجديدة التي يتبعونها!
فقد أشارت الدراسات إلى تنامي معدلات الطلاق بين حديثي الزواج في كثير من الدول العربية، منها مصر والسعودية والكويت والأردن واليمن والسودان وغيرها، حيث تصل نسبة المطلقات خلال العام الأول للزواج إلى أكثر من 60 %، وترتب على ذلك ظواهر اجتماعية أخرى، مثل تأخر سن الزواج والعنوسة وكثرة أعداد المطلقات وأبناء الطلاق.
التحقيق التالي يرصد بعضًا من أسباب ظاهرة الطلاق المبكر في الوطن العربي، وآثارها السلبية، وكيفية الحد من انتشارها، للحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته.
أبغض الحلال:
يقول الداعية محمود القلعاوي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى، لهذا شرعه الله في حالات بعينها، وحث الزوجين على استمرار الحياة وتخطي الصعاب والصبر عليها بشتى الطرق.
ونصح كلًا منهما بحسن الاختيار وعدم التسرع، فنصح صلى الله عليه وسلم أهل الفتاة بقبول صاحب الدين والخلق: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) وقال للشباب: (اظفر بذات الدين تربت يداك)، وهذا يدل على مدى أهمية الوازع الديني الذي يبني الحياة الزوجية على أساس سليم.
ويشير القلعاوي إلى أن هذا الزمان كثرت فيه الفتن، واختلت معايير الاختيار، فأصبح قائمًا على أساس الإعجاب الشكلي والإمكانات المادية والمستوى الاجتماعي، في الوقت الذي أهمل فيه الآباء تربية أبنائهم على القيم الأخلاقية السليمة، كالقناعة والتفكير العقلاني السليم والقدرة على تحمل المسئولية.
ومن ثم غاب عنهم المعنى الحقيقي للزواج، وظهرت حالات الطلاق بعد شهور وربما أيام قليلة من ارتباط الزوجين.
ويوضح الداعية أن سيطرة النمط الغربي من خلال وسائل الإعلام على الممارسات الحياتية للشباب جعل البعض منهم ينهج نهجهم في عدم احترام الكيان الأسري عند الاختيار.
وساهم تفشي الاختلاط والانفتاح بين الشباب والفتيات، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وأماكن الدراسة والعمل وزيادة تحررهم من رقابة وسيطرة الأسرة.. كل ذلك ساهم في وجود هذه الظاهرة، نظرًا لتعدد المؤثرات عليهم.
ثقافة أسرية:
ويشير القلعاوي إلى أن صغر سن الشباب وانعدام الثقافة الأسرية القائمة على التفاهم والحوار البناء والمشاركة وتواصل أفراد الأسرة وفهم كل منهم لنفسية الآخر واحتياجاته جعل دور الآباء ضعيفًا في حياة الزوجين الشابين، وغاب تفاعلهم معهما وتدخلهم الإيجابي لحل المنازعات وتسوية الخلافات في حال وقوعها.
ويؤكد أن الحد من هذه الظاهرة يحتاج إلى عودة دور الأسرة كحصن أولي وأساسي لتربية الأبناء على تعاليم الدين، والانتماء إلى ثقافة المجتمع، والفهم الصحيح لقيمة الزواج، والقدرة على تحمل مسئولية البيت ورعاية الأبناء.
ويضيف أن دور الأسرة يكمله ويدعمه دور المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية والإعلامية والتثقيفية والمجتمعية، التي يجب أن تتضافر جهودها لإنقاذ الشباب من الوقوع في براثن الطلاق المبكر، حتى لا تنطفئ فرحتنا بهم بعد انتظارنا لها العمر كله.
الحب الحقيقي:
الزواج ليس علاقة عاطفية عابرة تنتهي عند حدوث أي مشكلة كما تبين د.سوسن فايد، خبير أول علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
وتضيف أن التدليل الزائد للأبناء والأنانية المفرطة التي تربوا عليها واتكالهم المستمر على الآباء اللذين يعطون بلا مقابل لم يضعهم على قدر المسئولية المطلوبة للزواج.
ومن ثم قد يختار كل منهما الآخر لمجرد الإعجاب الشكلي فقط، أو إحساسهما بالحب من أول نظرة.
وتوضح د. سوسن أن التكافؤ الاجتماعي والتوافق النفسي يجعل هناك لغة مشتركة بين العائلتين، فيكون الزواج على أساس سليم، وليس على فرحة عاطفية فقط لا تُعمل العقل.
وقد تعمل على أن يتغاضى الطرفان عن العيوب أو يجملاها، وعندما يحتك كل منهما بالآخر بعد الزواج وتخفت جذوة اللهفة تظهر الطباع الحقيقية التي لا يتحملها كل منهما فيصلان إلى الطلاق.
وتنصح الخبيرة النفسية بضرورة إعادة صياغة مفاهيم الزواج، والتخلص من سيطرة النمط الغربي وسمومه التي ينفثها في المجتمع العربي منذ سنوات.
ويجاهد الآن لتخليص نفسه من موبقاتها، والتي نادت بتحرير وتمكين ومساواة المرأة، وتم تطبيقها خاوية من معناها الشرعي في مجتمعاتنا الإسلامية.
ومن ثم جنينا أشواكها المؤلمة في ظاهرة الطلاق وغيرها. لذا ندعو كل المعنيين بأمر الأسرة والمجتمع في أنحاء الوطن العربي إلى دعم الشباب من كافة النواحي للحفاظ على أسرته الجديدة والوصول بالمجتمع إلى بر الأمان.
الكاتب: هدى سيد
المصدر: الإسلام اليوم